السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلبية ما علينا
نحن عاجزون دائماً عن إعلان مواقفنا الرافضة علانية، تقول إحداهن هذه أصول التربية، لا تَقُل للأعمى أعمى في وجهه.
ولا تقل للمشاكس أنت بلطجي في وجهه.
ولا تهرب من مسايرة المتآمر وترمي له ملامحه الداخلية التي يعرفها علانية.
في بعض المناطق تعتبر الصراحة وقاحة مهما كانت مغلّفة بالأدب ومهما كانت ضرورية لكسر شوكة أحدهم، أو تقويم إعوجاجه، أو وضعه في الحجم المستحق له.
فهذا فلان يوصف بأنه قال لفلان كذا وكذا، وعندما تسأل بهدوء هل افترى عليه؟
قيل: لا.. ولكن لا ينبغي أن يجرحه هكذا وفي وجهه، رغم أن فلانا هذا اعتاد على التجريح للآخرين والوقاحة، واعتاد أن لا صوت ينبغي أن يعلو في أي مكان سوى صوته.
فلان كذاب ومعروف موطنه الكذب، ومنبره الكذب أيضاً، ورغم أن من يستمعون إليه ويتعايشون معه، يعرفون أنه كذاب، وأن كل ما يقوله كذب، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، وإن اقترب من الحقيقة فمن بعيد جداً بشكل لا يكاد يظهر، ومع ذلك لا يجرؤ أحد على اقتحام هذه العوالم الكاذبة، وتمزيقها، وفتح هذه المسافات الشاسعة داخلها لإيجاد ولو نافذه صغيرة تجعله يتنفس من خلالها كلمة صادقة.
إن جاءه أحدهم، وحاول من بعيد أن يصرّح له وبأدب جم وبأسلوب بعيد عن الاستفزاز أنه يكذب، أو أن ما يقوله يبتعد عن الحقيقة كثيراً، وأن الحقيقة كذا وكذا، ولربما فهمها هو بطريقته، ولا يعني أن ما أقوله تكذيب له ولكن تصحيح لمعلومات.
هذا الشخص تُفتح عليه بوابات جهنم إن حاول الدفاع عن نفسه من هذا الشخص الذي جَرُؤ على المواجهة، وكيف يحدثه بهذه الطريقة، ويكذبه، رغم أنه يكذب. ورغم أنهم يحلمون منذ زمن طويل بشخص يمنحهم هذه اللحظة للتفرج عليه ولكنهم فجأة يتعاطفون معه لماذا؟ لأنهم أدمنوا الاستمتاع بالكذب وأدمنوا صداقة فارغة، ولحظة بالغة العزلة عن صدقية الآخر، اعتادوا على هذا الفيلم، وعندما حاول أحدهم عرض فيلم أكثر وثائقية، رفضوا بكل ما أوتوا من قوة، واعتبروه إنساناً وقحاً، يغرد خارج السرب، ويريد أن يصلح الكون. مما شجع الآخر على مهاجمته، وإنقلاب الطاولة على رأسه وتأكيد صدقية الكذب الذي يقوله بإحساس كارثي مميت، وبتعايش موجع مع لحظات قمع لكل من يحاول أن يقف بهدوء دون أسلحة في وجه من اعتادوا على التواجد دون أن يكون لهذا الوجود سبب.
تربية مجتمعية يفهم فيها العيب بشكل مختلف، وتصبح كلمة ما علينا هي الأساس الذي ترتكز عليه الأغلبية.
فهذا متصنع لا يعنيني حتى وإن حاول الدخول إلى نوافذي.
وهذا يمارس استلاب الحقوق وبإمكاني التصدي له لكن ما علينا اترك غيرك يفعل ذلك.
وهذا يعبث هنا وهناك ويغتال كل القيم الإنسانية وأنت تقف في مكانك عاجزاً ما علينا.
فلن تنتهض تلك الحياة المتعثرة إن حاولت التدخل، ولن يسارع الكون في انطلاقه لأنك حاولت أن تقف في وجه تلك الشخصيات غير السوية.
ما علينا شرها يبدو أكثر نفاذاً من درء مخاطرها.
_________
منقــــــول
مواقع النشر (المفضلة)